حدث في تاريخ فلج القبائل (حرب المقابيل)

بسم الله الرحمن الرحيم

1. الهدف من كتابة الموضوع هو التعرف على فترة من تاريخ قريتنا الجميلة فلج القبائل والوقوف على الماضي وأخذ العبر منه ، وليس الهدف هو إثارة النعرات القبلية، فبعد العام 1970م حكم السلطان قابوس سلطنة عمان ووحد جميع القبائل تحت القانون العماني، وبالتالي أصبح الجميع سواسية في ظل الحكومة الرشيدة بقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم.

2. ليس لكاتب الموضوع أي وجهة نظر شخصية حيال الموضوع فقد تمثل دوره في جمع المعلومات من مصادرها وإعادة صياغتها وفقد تسلسلها الزمني، وكذلك بالنسبة لمدير المنتدى والمشرفين فليس لهم أي صلة بالمعلومات التي سيتم ذكرها بالموضوع.

3. لم يتم توثيق الأحداث في تلك الحرب ففي تلك الفترة الزمنية قليلين هم الذين كانوا ملمين بالقرائة والكتابة، ولم يكن للصور الفوتوغرافية وجود في المنطقة في تلك الفترة، والمصدر الوحيد الذي إعتمدته في كتابة هذا الموضوع هو الناس الذين شهدوا تلك الأحداث أو من روى عنهم، وبالتالي فليست كل المعلومات التي سيتم ذكرها صحيحة أو دقيقة فبعض الروايات تختلف من شخص إلى آخر ولكني سأحاول أن أذكر ما أجتمع الناس على انه صحيح.

إختلف الرواة في التاريخ الحقيقي للحرب فبعظهم قال إنها في حقبة الأربعينيات من القرن الماضي، وفريق قال بأنها في الخمسينات وآخر أفاد بأنها كانت في بداية الستينات وهذه هي الفترة التي رجحت، ولكنهم جميعا اتفقوا على أن هذه الحرب لم تدم سوى ثلاثة أيام فقط ، ففي يوم الثلاثاء قام رجل معروف في فلج القبائل ولا زال يعيش إلى يومنا هذا (أطال الله في عمره) ، قام بالإحتطاب من منطقة بعيدة نسبيا عن القرية وتسمى بالحنينيه، تقع جنوب فلج القبائل (شمال الملتقى حاليا) فقام رجل من المقابيل بإعتراضه وأمره بإلقاء الحطب، متعذرا بأن حدود فلج القبائل تنتهي عند مشروب الغريز (المشروب: وادي صغير) ويعتقد بأن المكان المذكور هو في المنطقة التي تقع فيها المزارع الجنوبية للفلج مثل مزرعة سعيد سالم الغيثي ومزرعة سالم بن سالمين الجابري.

كان الخلاف عبارة عن حوار بين الرجلين في البداية، ولكنه تطور إلى مشادة إنتهت بأن قام الأول بإطلاق النار على المقبالي فأصابه في يده، وعاد الرجل المصاب إلى قبيلتهم المعروف عنها شدتها وكثرة أفرادها الذين كانوا يعدون بالمئات في تلك الفترة، بالإضافة إلى حلفاؤها الأقوياء من القبائل الأخرى، وعاد الرجل الأول إلى فلج القبائل فأخبر شيخ المنطقة أحمد بن علي الجابري رحمه الله ، والذي بدوره دعا وجهاء ورجال القرية إلى إجتماع عاجل تحت السدر(مقابل المسجد الجامع حاليا)، وأنقسم الرجال لفريقين : الأول بقيادة الشيخ أحمد بن علي وكان معروف عنه الحكمة والحلم والصفح وبعد البصيرة، ومعه معظم كبار السن من الرجال والذين أشاروا بالتحاور مع المقابيل ومحاولة الوصول معهم إلى إتفاق لمعرفة حدود المنطقة ، وتعويض الرجل المصاب، والفريق الثاني كان بقيادة الأخ الأصغر للشيخ وهو المرحوم سالم بن علي الجابري وكان شابا عرف عنه سرعة الغضب والإندفاع والشجاعه حتى أنه كان يلقب بـ(أبو الريعان) لشجاعته، وأيده أغلب الشباب، وفعلا أنطلق ومعه مجموعة من الشباب إلى منطقة الحنينيه وكان المقابيل قد تجمهروا بالمئات فأحاطوا بالشيخ سالم من عدة جهات وصار تبادل بسيط لإطلاق النار ولم يصب أحد بأذى ، وتمكن الشباب من إنقاذ الشيخ سالم والعودة به لفلج القبائل.

وفي إحدى الروايات التي أكدها أكثر من شاهد (كانوا من الشباب الموجودين) أنهم لم يعودوا مباشرة وإنما إحتمى الطرفان خلف ساتر من النار وإستمر إطلاق النار المتقطع من فترة لإخرى دون وقوع أي ضحايا أو إصابات لدى الطرفين، والسبب هو نوع البنادق التي إستخدمت (الصمعى) و التي كان مداها قريب، حتى جاء سرحان رحمه الله وهو يحمل بندقية بن مايد وهي من نوع خميسا وسدد على أحد الرجال من الطرف الآخر متمعدا على إنعكاس الشمس من على بندقيته، وعرف عن سرحان قدرته الكبيرة على التصويب ، وبالفعل أصاب بندقيته التي أنكرست وأصابت الرجل المحتمي خلف السمرة، مما زاد الأمر سوءا فقد إصيب إثنان من رجال المقابيل، وهم ناس أهل نخوة ولن يسكتوا عن حقهم، فعاد شباب الفلج للقرية، وبقي المقابيل مرابطين في مواقعهم.

وفي المساء جاء رجل يسكن في منطقة المقابيل، ويدين بالولاء لأهل الفلج فأخبر الشيخ أحمد بأن شيخ المقابيل (والذي كان من أعز أصدقاء الشيخ أحمد حيث كانا يذهبان مع بعض لرحلات القنص، وقام الشيخ أحمد بإهدائه بندقيته أم عشر، وليست البندقية في تلك الفترة تهدى لأي صديق) قد حلف بأن يكبر في جامع الفلج ، بما معناه انهم سيغزون الفلج وسيصلون إلى قلبها وهو الجامع، وكردة فعل و في صباح يوم الأربعاء إجتمع رجال الفلج وقاموا ببناء سيفة(ساتر رملي ضد إطلاق النار) في عدة مواقع من القرية وركزوا على جامع الفلج ، وبينما هم منشغلين جاءتهم إمرأة عجوز على حماره قادمة من منطقة المقابيل وأخبرتهم بأن الحشود إجتمعت وهم يحملون الخوص لحرق قرية فلج القبائل بالإضافة لإتفاقهم مع أقربائهم وحلفائهم من السيوح الغربية لمهاجمة عيون الفلج وردمها.

بمجرد وصول الأسلحة تحركت المجموعات حسب الخطة الموضوعة فقامت المجموعة الغربية بالمرابطة في مكان يسمى سيبة ناصر محمد الربيعي،موقع الفندق حاليا، والمجموعة الرئيسة رابطت بجانب الجامع، ومشت المجموعة الثالثة بمحاذاة الخضرو ثم شرقا للمشروب حيث رابطوا في جانبه الشمالي (مزرعة محمد بن صالح الربيعي حاليا) وتبعتهم أربع من نساء الفلج يحملن الماء والزانة(الذخيرة) وأسمائهن كذلك معروفه، وفعلا كان المقابيل مرابطين في الجانب الجنوبي للمشروب (مزرعة الفلاحي حاليا)، ولكن فكما كان لأهل الفلج الناس اللذين ينقلون لهم الأخبار فللطرف الآخر عيونه، فعلم شيخ المقابيل بالتطورات الأخيرة من توفر السلاح الجديد لأهل الفلج والذي يصل مداه بعيدا، وبالتالي تساوت الموازين فمقابل تفوق العدد لدى المقابيل تفوق السلاح لأهل الفلج، ولأن الشيخين لدى الطرفين كانا حكيمين فأقد أمرا بعدم التهور والمبادأة بإطلاق النار فظل الطرفين يتربصان ببعضهما البعض دون وقوع أي ضحايا، فأمر الشيخ أحمد المجموعة الشرقية بالعودة والتحصن في بري بن مراد (برج بناه أهل الفلج من الطين ويعلو كثيرا عن سطح الأرض ليكشف المنطقة وقد بني تحسبا لمثل هذه الحالات، وسمي تيمنا بصاحب النخل التي بني فيها وهي للمرحوم بن مراد ولا زالت أطلاله باقية إلى اليوم) وبهذا القرار ستكون الغلبة لأهل الفلج فيما لو حدث هجوم.

في اليوم الثالث رأى الشيخان التوجه للحوار، والتشاكي لدى الوالي لرد الحقوق لأصحابها، وقد كان بالفعل قرارا حكيما ، فبذلك القرار تحولت الحرب لمجرد مناوشات بين قبائل ، حدثت نتيجة سوء فهم بين الطرفين ، ويقال أنه قد تم سجن بعض الأشخاص نتيجة لتلك المناوشات، إلا أن الرواة تحفظوا على الأسماء أو من أي طرف كانوا، ولكن بغض النظر عن من سجن فقد إنتهت المناوشات وعادت المياه لمجاريها، ونتج عنها إصابة إثنان من المقابيل ووفاة إثنان من أهل فلج القبائل، الأول هو سالم بن عبدالله الربيعي الملقب بالغافري ويقال بأنه أصيب عن طريق الخطأ فقد دخلت الطلقه من أسفل رأسه بجانب الأذن وخرجت من أعلى الرأس وقد أتفق معظم الرواة على انه بالفعل إصيب من زملاءه بالخطأ، والثاني يسمى (ود بن شنين) توفي نتيجة لدغة عقرب بينما كان مرابطا على المشروب.

عذرا على الإطالة ولكن هذه القصة نقلتها لكم كما ذكرها الرواة دون زيادة أو نقصان مني، وقد يتساءل البعض من هم هؤلاء الرواة، فأقول لهم انهم كثيرون ولكن أكتفي بذكر : إبنة الشيخ أحمد بن علي الجابري وكانت فتاة بالغة تفهم ما كان يدور في بيت أبيها في تلكم الحقبة وعاشت الحرب بجميع تفاصيلها، كذلك أثنين من الشباب الذين شاركا شخصيا وكان الأول من ضمن المجموعة الشرقية والثاني من المجموعة الغربية، وأكتفي بهذا القدر وأتمنى للفلج وأهلها العزة والتوفيق.

شكرا أخي الأنجوري :
بالنسبة لمرض اليدري لم تحدد الفترة الزمنية ولكن يحتمل في نهاية الأربعينات ، وقد بدأ المرض عندما قدم شخص من دبي يسمى محيميد وينسب لعائلة العفاريت، ومن ثم إنتشر المرض ومات الكثيرين وقليلين الذين هم شفوا من المرض وبعض الذين شفوا أشتغلوا بما يسمى بـ (الجييمه) أي القائمين بالمرضى وذلك لتمتعهم بالمناعة الكافية لمراعاة المرضى وإطعامهم، ولكن بسبب عدم تمتعهم بالتأهيل الكافي فقد كانوا يزيدون الأمر سوءا، وبالطبع من دون قصد منهم ، ومن ظمن الناس الذين إشتغلوا بهذه المهنة : الريح .
لم يتم التوصل لعلاج لهذا المرض في تلكم الفترة ، ولكن قامت إمرأة من صحم تسمى خاتون بجلب تطعيم فعال يقي من هذا المرض ، فذهب أهل الفلج جميعا صغارا وكبارا رجالا ونساءا ذهبوا جميعا لصحم للتحصن من ذلك الداء الملعون والذي فتك بالكثيرين، ولكم أخي القارئ أختي القارئة أن تتخيلوا معاناة سفر عوائل بكاملها على البوش والحمير إلى صحم وقد كان الوقت شتاءا والرحلة تستغرق يومين للذهاب والعودة وكان بعضهم مريضا بهدا المرض وظنا منهم أن خاتون تحمل الشفاء ولكنها كانت تملك التحصين وليس الدواء وبالتالي مات الكثيرين في الطريق إلى صحم. وكون الأبر لم تكن موجودة في تلك الفترة فقد كانت خاتون تقشط الجلد في منطقة الساعد بالموس وتضع الدواء عليه لكي يسري في مجرى الدم وقد كانت تلك الطريقة مؤلمة خصوصا للذين لم يتحملوها من الأطفال وكبار السن ، ولا زالت آثار ذلك التحصين موجودة على كبار السن اليوم وقد رأيتها بنفسي .
وبتلك الطريقة تم التخلص من المرض ، أعاذنا الله من الأوبئة والأمراض.
ودمتم يا أهل الفلج سالمين.