[center]
(
الجبل الأخضر .. كان في الماضي أكثر اخضراراً من هذه الأيام ، ولكنه في كل الأوقات يظل يمثل عالما مستقلا عما يحيط به من مناطق ، فهو رائع في علوه الشاهق من غير صلف أو شظف ، ورائع رحب باستضافته لسكنى الإنسان على هضابه ورباه ، ورائع في ثغوره ووديانه وحسن عطاياه ، لذلك أجدني ملزماً بالكتابة وللمرة الثالثة عنه ، وإذا أضفت عليها ألف مرة ومرة لن أفي هذا الجبل الكريم حقه في ذكر محاسنه وكنه ما به من ثروة وهو عظيم حقاً في خباياه .. ووادي ببني حبيب هذا ، يمثل أحد روائع الجبل الأخضر ، والحارة القديمة الموجودة على ضفته الغربية والمشيدة منزلها الجميلة تلك من الحصي والطين تدل دلالة حتمية على كرم هذا الوادي على بني البشر ، فسمح لهم أن يعمروا المكان ويستعمروه عن طيب خاطر على مدى ذلك الدهر ومر الزمان ، وعلى صفحة الجبل المطلة على الوادي أسسوا حضارة تشهد على قوة العزم وفن المعمار ، ذلك رغم صعوبة الموقع وصعوبة التنقل وشح المكان.
فمن المؤكد أن الذين قاموا بتشييد تلك العمارة الجميلة على خاصرة الجبل المطل على وادي بني حبيب لم يعطوا حفنة من المال للمقاول الأجنبي ، وبعد فترة من الزمن يسلم المفتاح لدافع الأجر ، والذي لا يعرفه أكثر أبناء هذا الزمان ، أنه في ذلك الزمان لا مفاتيح ، ولا أغلاق للبيبان (الأبواب) وإنما الأغلاق في قلوب ونفوس أهل المكان أعظم شأن ، وأن بناء أي منزل يتم بقرار من صاحب الحاجة يعلنه بوضع أول حجر في المكان الذي يحدده ويختاره بنفسه ، فيتداعى أهل القرية إليه ليعمروا المنزل معه بتعاون وطيب إحسان ، فلا يحتاج الأمر الى خارطة ، ولا مساح يمسح الأرض ، ولا إباحة صغرى تتبعها كبرى وانتظار على أبواب البلدية لساعات طوال .. وهكذا يدور الدوار بين أهل القرية في بناء الدار.
إن الذي أهدف إليه من كل هذا ، توضيح مجموعة نقاط أرى أنها مهمة وعاجلة ، ليس في وادي بني حبيب فحسب بل في شأن كل الحواري (جمع حارة) العمانية القديمة ، والذي أطالب فيه هنا يصلح للتطبيق هناك ، فوادي بني حبيب أصبح محج لكل زائر للجبل الأخضر رغم ضيق المكان ، فإذا وصلت إلى شرفة الوادي قاصدا الاستمتاع بروعة الطبيعة ، فتشدك الحاجة للبحث عن موقف للسيارة وتنسى ما جئت من أجله ، فتظل تبحث عن طريقة تخرجك من الزحمة الخانقة والزنقة المستعصية ، فلا تتاح لك فرصة للاطلاع والفرجة ولا للتسوق والتبضع من ثمار الموسم حيث يكون لكل موسم حصاد.
إن المكان يحتاج إلى تدخل الجهات المعنية بتنمية الجبل الأخضر ، والجهات المعنية بالسياحة ، والحارة القديمة يجب أن ترمم وتعاد إليها الحياة بنفس نمط حياة الأهالي الذين شيدوها مع بعض التصرف ، لتوفير الضرورات بحيث لا تطغى الحداثة على الأصالة ، فتعاد الرحى (مثلا) إلى ما كانت عليه ، ويحول المكان إلى متحف حي يروي للزائر عيشة الناس زمان ، وتتاح للسياح الفرصة للإقامة والاستمتاع من خلال جولة تأخذهم في عمق التاريخ القديم ، حيث تحول تلك الحارة إلى فندق من غرف متجاورة على خلاف الفنادق الحديثة حيث الفنادق عمودية ، وأن يستعان بنظام (تلفريك) أو بالعماني (حبل الموراد والمزماه) لنقل الأشخاص إلى الضفة الثانية ، أو للإطلالة على الوادي من علو ، فمن المؤكد أن الدخل الذي سيجلبه مشروع مثل هذا ، سيغطي نفقات تنمية الجبل الأخضر بالكامل .. وكما يقول المثل : لا بأس من أخذ الحكمة من أفواه المجانين أو حتى المتقاعدين ، وما خاب من استشار ، وفاز من حياته إنجاز ، والعذر من صاحب هذه الحكمة لضرورة الاقتباس.
حمد بن سالم العلوي
كاتب عماني